بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
وهو ضرب من الطب النفسي ويعتمد الرقى الإسلامية والتداوي بالقرآن الكريم والدعاء المأثور والتداوي بالصدقة.
وفي المقالة تعاريف للرقبة والتميمة، ومشروعية الرقى الإسلامية بل وسنتيها، وتحريم الرقى الجاهلية وتعليق التمائم من خرز ونحوه. وتعليل علمي لفائدة الرقى ومنفعتها لمن اعتقد بها
مشروعية الرقى والتمائم
الرقية:قراءة تعويذة على المريض، أما التميمة: فهي الرقية المكتوبة التي تعلق، إما بقصد الاستشفاء أو للحفظ من عين أو عدو أو جان. كما تطلق التميمة على كل ما يعلق على العنق أو الصدر من خرز أو ودع أو شبهها للغاية نفسها.
وقد عرفت الرقى والتمائم من قبل جميع الشعوب ومارسها الكهان من جميع الأديان. وأما النشرة (بضم النون) فهي رقية كان يعالج بها المجنون والمريض، وقد نشر عنه، والتنشير: التعويذ بالنشر، لأنه ينشر عن المريض، أي يحل عنه ما خامره من الداء. وقد تطلق على ما يرقى به من ماء ثم يغسل به المريض، أو على الرقية المكتوبة التي تغمس بالماء ثم يمسح به المريض أو يشربه.
فأما الودع والخرز وشبهها إذا علقت بنية الاستشفاء من مرض للوقاية من الإصابة بعين أو حسد أو مرض، فهي حرام قطعاً وبإجماع جمهور علماء المسلمين. وإذا اعتقد المعلق أنها تفعل بخاصية منها فقد أشرك والعياذ بالله تعالى.
عن عبد الله بن عكيم أن النبي eقال: (من تعلق شيئاً وكل إليه) رواه الترمذي.
وعن عبد الله بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله eيقول: (من يعلق تميمة فلا أتم الله وله ومن يعلق ودعة فلا ودع الله له) رواه الإمام أحمد[1].
وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي eيقول: (ما يبالي من أتى من شرب ترياقاً أو تعلق بتميمة) [2].
وقال ابن الأثير: (وليس شرب الترياق مكروهاً من أجل أن التداوي به حرام ولكن من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي وغيرها من النجاسات وهي محرمة وما لم يكن فيه حرام ولا نجس فلا بأس).
أما التمائم فإن المجمع على حرمته منها، ما كان معلقاً من غير كتابة، وكذا التمائم المكتوبة والحاوية على نص فيه شرك كالاستعانة بصنم أو بالشياطين، أو أن النص مكتوب بما لا يفهم معناه.
أما الرقى فقد نهى رسول الله eعن رقى الجاهلية كلها في مطلع الإسلام باعتبار أن معظمها يحتوي على عبارات فيها شرك أو تعلق بالأصنام أو من الكلام الذي لا يعرف له معنى، ولاعتقاد فاعليها أن تأثيرها حاصل بطبعها كما كان الجاهليون يعتقدون ويزعمون.
عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله eيقول: (الرقى والتمائم والتولة شرك) [3].
وفي رواية أبي داود (قال الراوي) لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فيرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: (إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما يكفيك أن تقول كما كان رسول الله eيقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) [4].
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله eسئل عن النشر فقال: (هو من عمل الشيطان) [5].
وعن النغيرة بن شعبة أن النبي eقال: (من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل) [6].
وقد جاءت النصوص بعد ذلك لتدل على أن النبي eقد أذن ببعض الرقى التي كان العرب يرقون بها في جاهليتهم مما لم يجد فيه ما يتنافى مع عقيدة التوحيد وبعد أن اطمأن عليه الصلاة والسلام، إلى رسوخ العقيدة الصحيحة في نفوس أصحابه.
فعن جابر رضي الله عليه قال: (نهى رسول الله eعن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله eفقالوا يا رسول الله، إنه قد كانت عندنا رقى نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى. قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (رخص رسول الله eبالرقية من كل ذي حمة) رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه قال: (أذن رسول الله eلآل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة) رواه البخاري[7].
وإن الترخيص أو الإذن بالشيء إنما يدل على إباحته بعد النهي عنه.
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك) رواه مسلم.
قال ابن حجر: (وقد أجمع علماء الأمة على جواز الرقية عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله سبحانه وتعالى.
وعما يظن تعارضاً بين الأحاديث التي تفيد جواز الرقى وحديث السبعين الفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب (هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) [8].
وحديث (من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل[9]. أجاب الإمام النووي: ولا مخالفة بل المدح في ترك الرقى، المراد بها الرقى التي هي كلام الكفار والرقى المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه فهي مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه.
وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة. وأما قولهم: (يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى) فأجاب عنه العلماء بأجوبة: أحدها أنه كان نهياً ثم نسخ ذلك، وأذن فيها وفعلها eواستقر الشرع على الإذن. والثاني أن النهي كان لمنع الرقى المجهولة كما سبق، والثالث أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها.
وفي نفس الموضوع يقول البغدادي: (فيحتمل أن النهي كان ثابتاً ثم نسخ، أو لأنهم كانوا يعتقدون منفعتها بطبيعة الكلام، فلما جاء الإسلام واستقر الحق في أنفسهم أذن لهم فيه مع اعتقادهم بأن الله تعالى هو النافع الضار).
وقال النووي: (وأما قوله: (لارقية إلا من عين أو حمة) فلم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما ومنعها فيها عداهما، وإنما المراد لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما).
وقال ابن الأثير: (تخصيص العين والحمة لا يمنع جواز الرقية في غيرهما من الأمراض لأنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام رقى أصحابه من غيرهما وإنما معناه: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم). ونقل ابن حجر عن الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: (لا بأس أن يرقى بكتاب الله وبما يعرف ذكر الله).
وقد اختلف في حكم التمائم إذا كانت مكونة من ذكر أو آية من كتاب الله أو دعاء مأثور، فقد ذكر الشيخ عبد الله بن صديق: (وأما كتابة شيء من القرآن أو الأدعية المأثورة وتعليقه على عنق الصحيح، أو المريض للاستشفاء فجائز على الأرجح). واستدل بكتابة عبد الله بن عمرو بن العاص دعاء الفزع في النوم وتعليقه على عنق من لم يبلغ من أولاده.
وقد سئل سعيد بن المسيب عن التعويذ، أيعلق؟ فقال: إذا كان في قصبة أو رقعة بحرز فلا بأس فيه، هذا على أن المكتوب قرآن. وعن الضحاك (من التابعين) أنه لم ير بأساً أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله، ورخص أبو جعفر الباقر (من سادات التابعين أيضاً) في التعويذ يعلق على الصبيان أما أحمد بن حنبل فقد نص على كراهية التعليق للتعاويذ من القرآن وغيره وقال: كان ابن مسعود يكرهه.
قال القرطبي: (واختلف العلماء في النشرة وهي أن يكتب شيئاً من أسماء الله أو القرآن ثم يغسله بالماء ويمسح به المريض أو يسقيه، فأجازها سعيد بن المسيب، ولم يرد مجاهد بأساً أن تكتب آيات القرآن ثم تقرأ ثم يسقاه صاحب الفزع. أما الحسن وإبراهيم النخعي فقد منعاها).
هذا ونقسم الرقى بحسب الغاية التي وضعت من أجلها إلى رقى عامة ورقى خاصة.
الرقى العامة
وهي الرقى التي لم يرد لها مناسبة خاصة ويمكن أن تشرك كمعالجة روحية (نفسية) في كل الأمراض إلى جانب الأدوية المتوفرة سوار أكانت ناجعة أم لا وهي إما أن تكون قرآناً أو أن تكون دعاء أو ذكر ورد فيه نص صح نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
التداوي بالقرآن:
قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء:82.
وقال تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) فصلت: 44.
وقال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) يونس: 57.